فصل: واختلفوا هل كان يجوز أن يقلب الله تعالى اللغة فيسمي نفسه جاهلاً بدلاً من تسميته عالماً

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين **


  واختلفوا هل كان يجوز أن يقلب الله تعالى اللغة فيسمي نفسه جاهلاً بدلاً من تسميته عالماً

فجوز ذلك قوم وقال عباد‏:‏ لا يجوز أن يقلب الله اللغة ولا يجوز أن يسمي نفسه بغير هذه الأسماء‏.‏

وكان الجبائي يزعم أن معنى القول أن الله عالم معنى القول أنه عارف وأنه يدري الأشياء وكان يسميه عالماً عارفاً دارياً وكان لا يسميه فهماً ولا فقيهاً ولا موقناً ولا مستبصراً ولا مستبيناً لأن الفهم والفقه هو استدراك العلم بالشيء بعد أن لم يكن الإنسان به عالماً وكذلك قول القائل أحسست بالشيء وفطنت له وشعرت به معناه هذا واليقين هو العلم بالشيء بعد الشك ومعنى العقل إنما هو المنع عنده وهو مأخوذ من عقال البعير وإنما سمي علمه عقلاً من هذا قال‏:‏ فلما لم يجز أن يكون البارئ ممنوعاً لم يجز أن يكون عاقلاً وليس معنى عالم عنده معنى عاقل والاستبصار والتحقق هو العلم بعد الشك وكان يزعم أن البارئ يجد الأشياء بمعنى يعلمها‏.‏

وكان يزعم أن البارئ لم يزل عالماً قادراً حياً سميعاً بصيراً ولا يقول لم يزل سامعاً مبصراً ولا يقول لم يزل يسمع ويبصر ويدرك لأن ذلك يعدى إلى مسموع ومبصر ومدرك وكان يقول أن الوصف لله بأنه سامع مبصر من صفات الذات وإن كان لا يقال لم يزل سامعاً مبصراً كما أن وصفنا له بأنه عالم بأن زيداً مخلوق من صفات الذات وإن كان لا يقال لم يزل عالماً بأنه يخلق قال‏:‏ وقد نقول سميع بمعنى يسمع الدعاء ومعناه يجيب الدعاء وهو من صفات الفعل وكان يقول أن البارئ لم يزل رائياً بمعنى لم يزل عالماً ويقول يرى نفسه بمعنى يعلمها وكان يزعم أن البارئ لم يزل عالماً ولا يقول لم يزل رائياً بمعنى لم يزل مدركاً والرائي عنده قد يكون بمعنى عالم وبمعنى مدرك وكذلك القول بصير قد يكون عنده بمعنى عالم كالقول‏:‏ فلان بصير بصناعته أي عالم بها فيقول البارئ لم يزل بصيراً بمعنى لم يزل عالماً ويقول لم يزل بصيراً بمعنى يرى نفسه وأنه بخلاف ما لا يجوز أن يبصر ونكذب من زعم أنه أعمى وندل بهذا القول على أن المبصرات إذا كانت أبصرها فيلزمه أن يقول أن البارئ لم يزل مدركاً على هذا المعنى وكان يقول أن البارئ لم يزل قوياً قاهراً عالماً مستولياً مالكاً وكذلك القول بأنه متعال على معنى أنه منزه كقوله‏:‏ ‏"‏ تعالى الله عما يشركون ‏"‏ وأنه لم يزل مالكاً سيداً رباً بمعنى أنه لم يزل قادراً ولا يقول أن البارئ رفيع شريف في الحقيقة لأن هذا مأخوذ من شرف المكان وارتفاعه فيلزمه أن لا يقول أنه عال في الحقيقة لأن هذا مأخوذ من علو المكان وكان يزعم أن معنى عظيم وكبير وجليل أنه السيد ومعنى هذا أنه مالك مقتدر وكان يقول أن البارئ جبار بمعنى أنه لا يلحقه قهر ولا يناله ذل ولا يغلبه شيء فهذا عنده قريب من معنى عزيز والوصف له بذلك من صفات النفس ويقول في كريم ما قد شرحناه قبل هذا الموضع ويقول مجيد بمعنى عزيز ويقول لم يزل البارئ غنياً بنفسه فأما القول كريم فقد يكون عنده من صفات النفس إذا كان بمعنى عزيز ويكون عنده من صفات الأفعال إذا كان بمعنى جواد والقول حكيم بمعنى عليم من صفات النفس عنده والقول حكيم من طريق الاشتقاق من فعله الحكمة من صفات الفعل والقول صمد بمعنى سيد من صفات الذات والقول صمد بمعنى أنه مصمود إليه لا من صفات الذات عنده وقد يكون عنده بمعنى أنه عين لا ينقسم ولا يتجزأ ويكون معنى واحد أنه لا شبه له ولا مثل - وكذلك يقول النجار في معنى واحد - ويكون بمعنى أنه لا شريك له في قدمه وإلهيته والقول إله عنده معناه أنه لا تحق العبادة إلا له وهو من صفات الذات عنده ومعنى القول الله أنه الإله فحذفت الهمزة الثانية فلزم إدغام إحدى اللامين في الأخرى ووجب أن يقال أنه الله‏.‏

وكان لا يقول أن البارئ معنى لأن المعنى هو معنى الكلام وكان يقول أن البارئ لم يزل باقياً في الحقيقة بنفسه لا ببقاء ومعنى أنه باق أنه كائن لا بحدوث وأنه لا يوصف البارئ بأنه لم يزل دائماً لا يفنى بل يوصف بأنه لا يزال دائماً لأن هذا مما يوصف به في المستقبل ويوصف بأنه لم يزل دائماً لا إلى أول له كما يقال لم يزل دائم الوجود أي لا أول لوجوده ومعنى قائم وقيوم أي دائم وهو من صفات الذات وكان ينكر قول من قال أن معنى القديم أنه حي قادر وأن معنى سميع أنه يعلم الأصوات والكلام ومعنى بصير أنه يعلم المبصرات وكان يقول‏:‏ لم يزل القديم أولاً ولا يزال آخراً‏.‏

وكان يزعم أن الوصف هو الصفة وأن التسمية هي الاسم وهو قولنا‏:‏ الله عالم قادر فإذا قيل له‏:‏ تقول أن العلم صفة والقدرة صفة قال‏:‏ لم نثبت علماً فنقول صفة أم لا ولا ثبتنا علماً في الحقيقة فنقول قديم أو محدث أو هو الله أو غيره فإذا قيل له‏:‏ القديم صفة قال خطأ لأن القديم هو الموصوف ولكن الصفة قولنا الله وقولنا القديم‏.‏

وكان يقول أن الوصف لله بأنه مريد محب ودود راض ساخط غضبان موال معاد حليم رحمان رحيم راحم خالق رازق بارئ مصور محي مميت من صفات الفعل وأن كل ما يحب إلى القديم فيه أو وصف بضده أو بالقدرة على ضده فهو من صفات الفعل وكان يزعم أن الوصف لله بأنه متكلم أنه فعل الكلام وكان يزعم أن معنى الإرادة منه كمعنى الإرادة منا وهي محبته للشيء وكذلك الكراهة هي البغض للشيء وأن الرضى منه هو الرضى عنا ولعملنا ورضاه عنا لهذا العمل معنى واحد وهو أن نكون قد فعلنا ما لم يرد منا أكثر منه وهو كما قال مراده منا وكان يقول أن غضبه هو سخطه وكان يفرق بين الإرادة والشهوة ولا يجوز الشهوة على البارئ وكان يزعم أن حلم الله سبحانه هو إمهاله لعباده وفعل النعم التي يضاد كونها كون الانتقام وهي صرف الانتقام عنهم وأنه لو يفعل ذلك لم يوصف بالحلم وكان لا يصف البارئ بالصبر والوقار والزراية وكان لا يزعم أن البارئ حنان لأنه إنما أخذ من الحنين وكان يزعم أن البارئ محبل وأنه لا محبل للنساء في الحقيقة سواه فيلزمه والد في الحقيقة وأنه لا والد سواه وكان يقول أن البارئ لا يزال خالداً وأن الوصف له بذلك من صفات الذات ولا يقول لم يزل خالداً وكان مرة يقول أن الأجسام إذا تقادم وجودها قيل لها قديمة في الحقيقة إلى غاية وأول ثم رجع عن ذلك‏.‏

وكان لا يزعم أن الإنسان باق في الحقيقة لأن الباقي هو الكائن لا بحدوث والإنسان كائن بحدوث‏.‏

وكان إذا قيل له‏:‏ لم اختلفت المسميات والمسمى بها واحد والمعاني والمعنى بها واحد ولم ليس معنى عالم معنى قادر قال‏:‏ لاختلاف المعلوم والمقدور لأم من المعلومات ما لا يجوز أن يوصف القادر بأنه قادر عليه وكذلك القول في سميع بصير اختلف القول فيهما لاختلاف المسموعات والمبصرات وكان يجيب أيضاً بأن الأسماء والصفات اختلفت لاختلاف الفوائد لأني إذا قلت أن البارئ عالم أفدتك علماً به ودللتك على معلومات وأكذبت من قال أنه جاهل وأفدتك علماً بأنه خلاف ما لا يجوز أن يعلم وإذا قلت قادر أفدتك علماً به وأنه بخلاف ما لا يجوز أن يقدر وأكذبت من زعم أنه عاجز ودللت على مقدورات وإنما اختلفت الأسماء والصفات لاختلاف العلوم التي أفدتك لما قلت أنه عالم قادر حي سميع بصير‏.‏

وكان يقول أن الوصف للبارئ بأنه سبوح قدوس من صفات النفس ومعنى ذلك تنزيه الله سبحانه عما جاز على عباده من ملامسة النساء ومن اتخاذ الصاحبة والأولاد وسائر الصفات التي لا تليق به وكان يقول‏:‏ معنى الوصف لله بأنه واحد وبأنه متوحد واحد وكذلك الوصف له بأنه جبار ومتجبر وكبير ومتكبر وزعم أنه لا يجوز أن يوصف البارئ بأنه فوق عباده على الحقيقة فإن وجدنا ذلك في صفات الله تعالى فهو مجاز وقد قال الله سبحانه‏:‏ ‏"‏ وهو القاهر فوق عباده ‏"‏ وأراد به القادر المستولي على العباد فجعل قوله فوق بدلاً من قوله مستعل قال‏:‏ وقد نقول‏:‏ فوق عباده في العلم والقدرة أي هو أعلم وأقدر منهم وهو توسع قال‏:‏ وقد يوصف البارئ سبحانه بأنه قريب من الخلق توسعاً ومعنى ذلك أنه عالم بنا وبأعمالنا سامع القول من الخلق راء لأعمالهم وكذلك تقرب العباد بالطاعة إلى الله هذا مجاز وزعم أن البارئ لا يوصف بأنه متين لأن المتين في الحقيقة هو الثخين وإنما قال المتين توسعاً وأراد أن يبالغ في وصفه بالقوة وزعم أنه لا يوصف بالشدة والجلد على التوسع لأن الجلد وشدة البدن ليسا من القدرة في شيء لأن ذلك بمعنى الصلابة والله سبحانه لا يجوز أن يوصف بالصلابة فإن وجدنا ذلك من صفات الله سبحانه فهو على المجاز وليس يجوز أن يوصف الله سبحانه بأنه شديد العقاب وما أشبه ذلك من صفات الأفعال لأن الشديد من صفات الأفعال إنما هي الأفعال وقول الله عز وجل‏:‏ ‏"‏ أشد منهم قوة ‏"‏ مجاز معناه أنه أقدر منهم ولو لم يكن ذلك مجازاً لكانت قوته شديدة في الحقيقة وقوته في الحقيقة لا توصف بالشدة‏.‏

وكان يزعم أن البارئ مشاهد للأشياء بمعنى أنه راء لها وسامع لها فقيل له من معنى الرؤية والسمع أنه مشاهد على التوسع لأن المشاهد منا للشيء هو الذي يراه ويسمعه دون الغائب منا وكان يصف البارئ بأنه مطلع على العباد وأعمالهم توسعاً ومعنى ذلك عنده أنه عالم بهم وأعمالهم وكان يزعم أن الوصف لله بأنه غني أنه لا يصل إليه المنافع والمضار ولا يجوز عليه اللذات والسرور ولا الآلام والغموم ولا يحتاج إلى غيره‏.‏

وكان يزعم أن البارئ نور السموات والأرض توسعاً ومعنى ذلك أنه هادي أهل السموات والأرض وأنهم به يهتدون كما يهتدون بالنور والضياء وأنه لا يجوز أن نسميه نوراً على الحقيقة إذ لم يكن من جنس الأنوار لأنا لو سميناه بذلك وليس هو من جنسها لكانت التسمية له بذلك تلقيباً إذ كان لا يستحق معنى الاسم ولا الاسم من جهة العقول واللغة ولو جاز ذلك لجاز أن يسمى بأنه جسم ومحدث وبأنه إنسان وإن لم يكن مستحقاً لهذه الأسماء ولا لمعانيها من جهة اللغة فلما لم يجز ذلك لم يجز أن يسمى على جهة التلقيب‏.‏

وكان الحسين النجار يزعم أنه نور السموات والأرض بمعنى أنه هادي أهل السموات والأرض‏.‏

وكان الجبائي يزعم أن معنى وصف الله نفسه بأنه السلام أنه المسلم الذي السلامة إنما تنال من قبله وكذلك قوله بأن الله هو الحق إنما أراد أن عبادة الله هي الحق قال‏:‏ وقد يجوز أيضاً أن يعني بقوله أن الله هو الحق أن الله هو الباقي المحيي المميت المعاقب وأن ما يدعون من دونه الباطل أراد بذلك أنه يبطل ويذهب ولا يملك لأحد ثواباً ولا عقاباً وزعم أن الوصف لله بأنه مؤمن أنه آمن العباد من أن يأخذ أحداً منهم بغير حق وأن معنى المهيمن أنه الأمين على الأشياء وأن الهاء التي في المهيمن بدلاً من الهمزة التي في الأمين وكذلك معنى قوله‏:‏ ‏"‏ ومهيمناً عليه ‏"‏ معنى أميناً عليه وكان يصف البارئ بأنه جواد ولا يصفه بأنه سخي لأن ذلك إنما أخذوه من قولهم أرض سخاوية أي لينة وكان يقول أن الوصف لله سبحانه بأنه غالب من صفات الذات ومعناه أنه قاهر مقتدر والوصف له بأنه طالب عنده من صفات الفعل ومعناه أنه يطلب من الظالم حق المظلوم وكان يزعم أن الوصف لله سبحانه بأنه راحم من صفات الفعل وأن معناه أنه منعم ناظر محسن‏.‏

ويزعم أن البارئ لا يوصف بالإشفاق على عباده لأن معناه الحذر وذلك أن ترك المريض للأغذية الردية إشفاقاً منها إنما هو لحذره من المرض ولا يجوز ذلك على الله وكان يزعم أن معنى الوصف لله بأنه لطيف قد يكون بمعنى منعم وقد يكون بمعنى أنه لطيف التدبير والصنع لأن تدبيره لا يعرفه العباد للطفه وكان لا يصف البارئ بأنه رفيق لأن الرفق في الأمور هو الاحتيال لإصلاحها ولإتمامها والتسبب إلى ذلك وزعم أن الله يوصف بأنه ناظر لعباده بمعنى أنه منعم عليهم ولا يوصف بذلك عنده بمعنى الرؤية لأن النظر في الحقيقة إلى الشيء ليس هو الرؤية وإنما هي تحديق العين وتقليبها نحو المرئي وكذلك الاستماع عنده للصوت غير السمع له وغير إدراكه وإنما هو الإصغاء إليه إذا كان سمعه وأدركه ولا يجوز أن يوصف البارئ عنده بالاستماع وكذلك النظر في الأمر ليقف الناظر على صحته أو بطلانه هو الفكر ولا يجوز الفكر على الله سبحانه ومعنى الوصف لله بالغفران عنده أنه غفور وأنه يستر على عباده ويحط عنهم عقاب ذنوبهم ولا يفضحهم والمغفر إنما سمي مغفراً لأنه يستر رأس الإنسان ووجهه في الحرب وزعم أن الوصف لله بأنه شكور على جهة المجاز لأن الشكور في الحقيقة شكر النعمة التي للمشكور على الشاكر فلما كان مجازياً للمطيعين على طاعاتهم جعل مجازاته إياهم على طاعاتهم شكراً على التوسع إذ كان الشكر في الحقيقة هو الاعتراف بنعمة المنعم وليس الحمد عنده هو الشكر لأن الحمد ضد الذم والشكر ضد الكفر وزعم أن البارئ يوصف بأنه حميد ومعنى ذلك أنه محمود على نعمه وكان يزعم أن البارئ إذا فعل الصلاح لم يقل له صالح وإنما الصالح من صلح بالصلاح وكذلك قول غيره‏.‏

وكان لا يسمي الله بما فعل من الفضل فاضلاً لأنه إنما يفضل بذلك غيره وهو عز وجل مستغن عن الأفضال أن يفضل بها أو يشرف بها وإنما يشرف ويفضل بالأفضال من تفضل الله بها عليه وكذلك يقول غيره‏.‏

وكان يزعم أن الله خير بما فعل من الخير لأن من كثر منه الشر قيل له شرير وزعم أن الأمراض والأسقام ليست بشر في الحقيقة وإنما هي شر في المجاز وكذلك كان قوله في جهنم وكان يزعم أن جمع فاعل الشر أشرار وكان يقول أن عذاب جهنم ليس بخير ولا شر في الحقيقة لأن الخير هو النعمة وما للإنسان فيه منفعة والشر هو العبث والفساد وعذاب جهنم فليس بصلاح ولا فساد وليس برحمة ولا منفعة ولكنه عدل وحكمة‏.‏

وخالفه الإسكافي وغيره في ذلك فزعموا أن عذاب جهنم خير في الحقيقة ومنفعة وصلاح ورحمة وأما أهل الإثبات فيقولون أن عذاب جهنم ضرر وبلاء وشر في الحقيقة وأن ذلك ليس بخير ولا صلاح ولا منفعة ولا رحمة ولا نظر‏.‏

وزعم عباد بن سليمان أن الله سبحانه لم يفعل شراً بوجه من الوجوه ولم يقل أن عذاب جهنم شر في الحقيقة ولا في المجاز وكذلك قوله في الأمراض والسقام وهو يعارض المعتزلة فيقول لهم‏:‏ إذا قلتم أن البارئ فعل فعلاً هو شر على وجه من الوجوه فما أنكرتم من أن يكون شريراً واختلفوا هل يقال أن الله يضر أم لا‏:‏ فقال أهل الإثبات أن الله ينفع المؤمنين ويضر الكافرين في الحقيقة في دنياهم وفي الآخرة في إتيانهم وأن كل ما فعله بهم فهو ضرر عليهم في الدين لأنه إنما فعله بهم ليكفروا وهم في ذلك فريقان‏:‏ فقال بعضهم أن لله نعماً على الكافرين في دنياهم كنحو المال وصحة البدن وأشباه ذلك وأبى ذلك بعضهم لأن كل ما فعله بالكفار إنما فعله بهم ليكفروا‏.‏

وقال الجبائي أن الله لا يضر أحداً في باب الدين ولكنه يضر أبدان الكفار بالعذاب في جهنم وبالآلام التي يعاقبهم بها‏.‏

وأنكر ذلك أكثر المعتزلة وقالوا‏:‏ لا يجوز أن يضر الله أحداً في الحقيقة كما لا يجوز أن يغر أحداً في الحقيقة‏.‏

فقال قائلون‏:‏ معنى أن الخالق خالق أن الفعل وقع منه بقدرة قديمة فإنه لا يفعل بقدرة قديمة إلا خالق ومعنى الكسب أن يكون الفعل بقدرة محدثة فكل من وقع منه الفعل بقدرة قديمة فهو فاعل خالق ومن وقع منه بقدرة محدثة فهو مكتسب وهذا قول أهل الحق‏.‏

وقال قائلون‏:‏ معنى الخالق أنه يفعل لا بآلة ولا بجارحة فمن فعل لا بآلة ولا بجارحة فهو خالق وهذا قول الإسكافي وطوائف من المعتزلة‏.‏

وقال محمد بن عبد الوهاب الجبائي أن معنى الخالق أنه يفعل أفعاله مقدرة على مقدار ما دبرها عليه وذلك هو معنى قولنا في الله أنه خالق وكذلك القول في الإنسان أنه خالق إذا وقعت منه أفعال مقدرة وأبى ذلك سائر المعتزلة‏.‏

وزعم عباد أن معنى خالق معنى بارئ ومعنى مخلوق معنى مبري‏.‏

واختلفوا هل يقال أن الإنسان فاعل على الحقيقة‏:‏ فقالت المعتزلة كلها إلا الناشي أن الإنسان فاعل محدث ومخترع ومنشئ على الحقيقة دون المجاز‏.‏

وقال الناشي‏:‏ الإنسان لا يفعل في الحقيقة ولا يحدث في الحقيقة وكان لا يقول أن البارئ يحدث كسب الإنسان فلزمه محدث لا لمحدث في الحقيقة ومفعول لا لفاعل في الحقيقة‏.‏

وكثير من أهل الإثبات يقولون أن الإنسان فاعل في الحقيقة بمعنى مكتسب ويمنعون أنه محدث وبلغني أن بعضهم أطلق في الإنسان أنه محدث في الحقيقة بمعنى مكتسب‏.‏

ورأيت منهم من إذا سألوه هل الإنسان فاعل في الحقيقة قال‏:‏ هذا كلام على أمرين‏:‏ إن أردتم أنه خالق في الحقيقة فهذا خطأ وإن أردتم أنه مكتسب فهو مكتسب فإذا قالوا له‏:‏ فتقول أنه فاعل بمعنى مكتسب قال‏:‏ إن أردتم أنه مكتسب فنعم هو مكتسب وكلما سألوه عن لفظة يفعل قسم الأمر على وجهين على سبيل ما حكيناه وهذا قول الكوشاني‏.‏

وبلغني أن يحيى بن أبي كامل قال‏:‏ لا أقول أن البارئ يفعل إلا على المجاز ولا أقول أن الإنسان يفعل إلا على المجاز والحقيقة في الإنسان أنه مكتسب وفي البارئ أنه خالق‏.‏

وبلغني أن برغوثاً قيل له مرة‏:‏ أتزعم أن البارئ فاعل فقال‏:‏ لا أقول ذلك لأن يفعل تهجين في الاستعمال يقال للإنسان بئس ما فعلت فألزم أن لا يكون البارئ خالقاً تهجين في نص القرآن قال الله عز وجل‏:‏ ‏"‏ وتخلقون إفكاً ‏"‏ فهجنهم بذلك وما كان تهجيناً في نص القرآن فهو أغلظ مما كان تهجيناً في استعمال العامة‏.‏

وسمعت أحمد بن سلمة الكوشاني وكان من أصحاب الحسين النجار يقول لا أزعم أن البارئ يفعل الجور لأن هذا القول يوهم أنه جائر وهذا القول منه غلط عندي‏.‏

ومن أهل الإثبات من يقول أن الله يفعل في الحقيقة بمعنى يخلق وأن الإنسان لا يفعل في الحقيقة وإنما يكتسب في التحقيق لأنه لا يفعل إلا من يخلق إذ كان معنى فاعل في اللغة معنى خالق ولو جاز أن يخلق الإنسان بعض كسبه لجاز أن يخلق كل كسبه كما أن القديم لما خلق بعض فعله خلق كل فعله‏.‏

واتفق أهل الإثبات على أن معنى مخلوق معنى محدث ومعنى محدث معنى مخلوق وهذا هو الحق عندي وإليه أذهب وبه أقول‏.‏

وقال زهير الأثري وأبو معاذ التومني‏:‏ معنى خالق أنه وقع عن إرادة من الله وقول له كن وقال كثير من المعتزلة بذلك منهم أبو الهذيل‏.‏

وقد قال قائلون‏:‏ معنى المخلوق أن له خلقاً ولم يجعلوا الخلق قولاً على وجه من الوجوه منهم أبو موسى وبشر بن المعتمر‏.‏

  واختلف الناس في معنى مكتسب

فقال قوم من المعتزلة‏:‏ معناه أن الفاعل فعل بآلة وبجارحة وبقوة مخترعة‏.‏

وقال الجبائي‏:‏ معنى المكتسب هو الذي يكتسب نفعاً أو ضرراً أو خيراً أو شراً أو يكون اكتسابه للمكتسب غيره كاكتسابه للأموال وما أشبه ذلك واكتسابه للمال غيره والمال هو الكسب والحق عندي أن معنى الاكتساب هو أن يقع الشيء بقدرة محدثة فيكون كسباً لمن وقع بقدرته‏.‏

واختلف الناس في معنى قول الله عز وجل‏:‏ ‏"‏ الأول والآخر ‏"‏ فزعم أكثر الناس أن الآخر معناه أن يكون بعد فناء الدنيا وأن الله بعد الخلق فيدخل أهل الجنة الجنة ويدخل الكفار النار وأن أهل الجنة لا يزالون مثابين ولا يزال الكفار معاقبين‏.‏

وزعم الجهم بن صفوان أن معنى الآخر أنه لا يزال كائناً موجوداً ولا شيء سواه ولا موجود غيره وأن الجنة والنار تفنيان ويبيد من فيهما ويفنى‏.‏

وزعمت البطيخية أن أهل الجنة في الجنة يتنعمون وأن أهل النار في النار يتنعمون بمنزلة دود الخل يتلذذ بالخل ودود العسل يتلذذ بالعسل‏.‏

وقال أبو الهذيل - وقد حكيناه قوله قبل هذا الموضع - أن أهل الجنة تنقطع حركاتهم فيسكنون سكوناً دائماً ويكونون سكوناً بسكون باق متلذذين بلذات باقية‏.‏

وزعم بعض المعتزلة أن معنى أن الله هو الآخر أنه الباقي‏.‏

وقال من مال إلى أنه لا شيء إلا موجود أن معنى الأول أنه لم يزل كائناً ولا شيء سواه وأن الأشياء لو كانت تعلم أشياء غير كائنة لم يصح أن البارئ هو الأول إذ كان لا يصح الوصف له بأنه موجود إلا وهو عالم بأشياء غير كائنة وقال من خالفهم أن حقيقة الأول أنه لم يزل موجوداً القول في البارئ أنه كامل‏:‏ كان الجبائي لا يزعم أن البارئ يوصف بأنه كامل لأن الكامل هو من تمت خصاله وأبعاضه ولأن الكامل في بدنه هو الذي قد تمت أبعاضه وكذلك الكامل في خصاله من تمت خصاله منا نحو كمال الرجل في علمه وعقله ورأيه وقوله وفصاحته فلما كان الله عز وجل لا يوصف بالأبعاض لم يجز أن يوصف بالكمال في ذاته ولا بالنقصان ولما لم يجز أن يشرف بأفعاله لم يجز أن يوصف بالكمال في ذاته من جهة الأفعال وكذلك لا يوصف بأنه وافر لأن معنى ذلك كمعنى الكامل وكذلك لا يقال تام لأن تأويل التام والكامل واحد‏.‏

وقال‏:‏ لا يجوز أن يوصف بالشجاعة لأن الشجاعة هي الجرأة على المكاره وعلى الأمور المخوفة‏.‏

وكان يزعم أن الوصف لله سبحانه بأنه مختار معناه أنه مريد إذ لم يكن ملجأً إلى ما أراده ولا مكرهاً ولا مضطراً إليه والإرادة هي الاختيار وكذلك القول في أن الإنسان مختار عنده وأن الاختيار غير المختار كما أن الإرادة غير المراد وأن اختيار الله للأنبياء هو اختياره لإرسالهم وهو إرادته لذلك وزعم أن معنى الاصطفاء من الله للأنبياء برسالته هو اختصاصه إياهم بها وليس معنى الاصطفاء معنى الاختيار لأن كل ما يريده الإنسان من غير أن يلجأ إليه فهو مختار له كما يكون مختاراً للأكل والشرب ولا يكون مصطفياً لذلك وزعم أن الإرادة ليس هي الضمير وأن الضمير محل الإرادة‏.‏

وزعم أن معنى أن الله يمتحن عباده ويختبرهم هو أنه يكلفهم وذلك توسع وإنما معنى ذلك أنه يكلفهم طاعته فلذلك لم يجز أن يقال يجربهم وكذلك معنى يبتلي أنه يكلفهم‏.‏

فأما الترك فقد اختلف الناس في ذلك‏:‏ فجوز قوم على الله سبحانه الترك وأنه فعل شيئاً فقد ترك بفعل الشيء فعل ضده‏.‏

وقد قال الحسين بالترك وأن البارئ لم يزل تاركاً‏.‏

وقال قائلون‏:‏ لا يجوز على البارئ الترك وليس الترك منه معنى كما لا يجوز عليه كف النفس ومنعها وكما لا يوصف بالامتناع والكف‏.‏

القول أن البارئ لم يزل خالقاً‏:‏ قال أكثر أهل الكلام‏:‏ لا يجوز إطلاق ذلك‏.‏

وقال قائلون‏:‏ قد يجوز أن يقال‏:‏ لم يزل البارئ خالقاً على أن سيخلق‏.‏

وقال قائلون‏:‏ لم يزل البارئ خالقاً على إثباته لم يزل خالقاً في الحقيقة وهذا قول بعض الرافضة‏.‏

شرح قول عبد الله بن كلاب قال عبد الله بن كلاب أن الله سبحانه لم يزل قديماً بأسمائه وصفاته وأنه لم يزل عالماً قادراً حياً سميعاً بصيراً عزيزاً جليلاً كبيراً عظيماً جواداً متكبراً واحداً صمداً فرداً باقياً أولاً سيداً مالكاً رباً رحماناً مريداً كارهاً محباً مبغضاً راضياً ساخطاً موالياً معادياً قائلاً متكلماً بعلم وقدرة وحياة وسمع وبصر وعزة وجلال وعظمة وكبرياء وكرم وجود وبقاء وإلهية ورحمة وإرادة وكراهة وحب وبغض ورضى وسخط وولاية وعداوة وكلام وأن ذلك من صفات الذات وأن صفات الله سبحانه هي أسماؤه وأنه لا يجوز أن توصف الصفات بصفة ولا تقوم بأنفسها وأنها قائمة بالله وزعم أنه موجود لا بوجود وأنه شيء لا بمعنى له كان شيئاً وأن صفاته لا هي هو ولا غيره وكذلك القول في الصفات أنها لا تتغاير كما أنها ليست بغيره وأن العلم لا هو القدرة ولا غيرها وكذلك سائر الصفات‏.‏

وقال بعض أصحابه‏:‏ الصفات لا يقال هي هو ولا يقال غيره وكذلك لا يقال كل صفة هي الأخرى ولا يقال غيرها ومنعوا العبارة الأولى‏.‏

وقال قائلون أن البارئ سبحانه ليس بغير صفاته وصفاته متغايرة قول حارث‏.‏

فقال بعضهم‏:‏ هو قديم بقدم وقال بعضهم‏:‏ هو قديم لا بقدم كما أن المحدث محدث لا بإحداث‏.‏

واختلفوا في الصفات هل هي أشياء أم لا‏:‏ فأثبت بعضهم الصفات أشياء ومنع ذلك بعضهم وقال‏:‏ إذا قلت شيء بصفاته استغنيت عن ذلك وكذلك قال بعض أصحابه أن الصفات قديمة ومنع بعضهم أن يقال قديمة أو حديثة لأنا إذا قلنا قديم استغنينا عن ذلك‏.‏

وزعم أنه لم يزل راضياً عمن يعلم أنه يموت مؤمناً وإن كان أكثر عمره كافراً ساخطاً على من يعلم أنه يموت كافراً وإن كان أكثر عمره مؤمناً وإرادة الله سبحانه لكون الشيء هي الكراهة أن لا يكون‏.‏

وقال سليمان بن جرير‏:‏ علم الله سبحانه لا هو الله ولا هو غيره ووجهه هو هو وعلمه شيء وقدرته شيء ولا أقول‏:‏ صفاته أشياء‏.‏

وقال ابن كلاب في الوجه والعين واليدين أنها صفات لله لا هي الله ولا هي غيره كما قال في العلم والقدرة غير أنه ثبت هذا خبراً‏.‏

القول في أن الله سبحانه قادر‏:‏ قد اختلف المتكلمون في ذلك اختلافاً كثيراً فمما اختلفوا فيه القول هل يوصف البارئ بأنه قادر على الأعراض‏:‏ فقال المسلمون كلهم أجمعون إلا معمراً أن الله قادر على الأعراض والحركات والسكون والألوان والحياة والموت والصحة والمرض والقدرة والعجز وسائر الأعراض‏.‏

وقال معمر بالتعجيز لله وأنه لا يوصف القديم بأنه قادر إلا على الجواهر وأما الأعراض فلا يجوز أن يوصف بالقدرة عليها وأنه ما خلق حياة ولا موتاً ولا صحة ولا سقماً ولا قوة ولا عجزاً ولا لوناً ولا طعماً ولا ريحاً وأن ذلك أجمع فعل الجواهر بطبائعها وأن من قدر على الحركة قدر أن يتحرك ومن قدر على السكون قدر أن يسكن كما أن من قدر على الإرادة قدر أن يريد وأن البارئ قد يريد ويكره وذلك قائم به لا في مكان وكذلك تحريكه وتسكينه قائم به وهو إرادته فيقال له‏:‏ إذا قلت أن البارئ قادر على التحريك والتسكين فقل قادر على أن يتحرك ويسكن فإن كان من قدر على تحريك غيره وتسكينه لا يوصف بالقدرة أن يتحرك فكذلك من وصف بالقدرة على حركة غيره لا يوصف بالقدرة على أن يتحرك‏.‏

وخالف أهل الحق أهل القدر ومعمراً في ذلك فقالوا‏:‏ قد يوصف القديم بالقدرة على إنشاء واختلف الناس أيضاً في القول هل يقدر القديم على ما أقدر عليه عباده أو لا يجوز ذلك‏:‏ فقال إبراهيم وأبو الهذيل وسائر المعتزلة والقدرية إلا الشحام‏:‏ لا يوصف البارئ بالقدرة على شيء يقدر عليه عباده ومحال أن يكون مقدور واحد لقادرين‏.‏

وقال الشحام أن الله يقدر على ما أقدر عليه عباده وأن حركة واحدة مقدورة تكون مقدورة لقادرين لله وللإنسان فإن فعلها القديم كانت اضطراراً وأن فعلها المحدث كانت اكتساباً وأن كل واحد منهما يوصف بالقدرة على أن يفعل وحده لا على أن القديم يوصف بالقدرة على أن تكون الحركة فعلاً له وللإنسان ولا يوصف الإنسان بالقدرة على أن تكون الحركة فعلاً له والقديم ولكن يوصف البارئ بأنه قادر أن يخلقها ويوصف الإنسان بأنه قادر أن يكتسبها‏.‏

وقال أهل الحق والإثبات‏:‏ لا مقدور إلا والله سبحانه عليه قادر كما أنه لا معلوم إلا والله به عالم وما بين أن يكون مقدور لا يوصف الله سبحانه بالقدرة عليه وبين أن يكون معلوم لا يعلمه فرقان‏.‏

واختلفت المعتزلة هل يجوز أن يقدر الله سبحانه على جنس ما أقدر عليه عباده أو لا يوصف بالقدرة على ذلك‏:‏ فقال البغداذيون من المعتزلة‏:‏ لا يوصف البارئ بالقدرة على فعل عباده ولا على شيء هو من جنس ما أقدرهم عليه ولا يوصف بالقدرة على أن يخلق إيماناً لعباده يكونون به مؤمنين وكفراً لهم يكونون به كافرين وعصياناً لهم يكونون به عاصين وكسباً يكونون به مكتسبين وجوزوا الوصف له بالقدرة على أن يخلق حركة يكونون بها متحركين وإرادة يكونون بها مريدين وشهوة يكونون بها مشتهين وزعموا أن الحركة التي يفعلها الله عز وجل مخالفة للحركة التي يفعلها الإنسان وأن الإنسان لو أشبه فعله فعل الله لكان مشبهاً لله عز وجل ولم يصف كثير منهم البارئ بالقدرة على أن يخلق معرفة بنفسه يضطر عباده إليها‏.‏

وقال محمد بن عبد الوهاب الجبائي وكثير من المعتزلة أن البارئ سبحانه قادر على ما هو من جنس ما أقدر عليه عباده من الحركات والسكون وسائر ما أقدر عليه العباد وأنه قادر على أن يضطرهم إلى ما هو من جنس ما أقدرهم عليه وإلى المعرفة به سبحانه‏.‏

وكان لا يصف ربه بالقدرة على أن يخلق إيماناً يكونون به مؤمنين وكفراً يكونون به كافرين وعدلاً يكونون به عادلين وكلاماً يكونون به متكلمين لأن معنى متكلم أنه فعل الكلام عنده وكذلك القول في سائر ما ذكرناه من العدل والجور عنده وكذلك يحيل ذلك في كل شيء يوصف به الإنسان ومعنى ذلك أنه فاعل مما اشتق له الاسم منه‏.‏

وقال أبو الهذيل‏:‏ لا تشبه أفعال الإنسان فعل البارئ على وجه من الوجوه وكان لا يصف وقال أهل الحق والإثبات أن البارئ قادر على أن يخلق إيماناً يكون عباده به مؤمنين وكفراً يكونون به كافرين وكسباً يكونون به مكتسبين وطاعة يكونون بها مطيعين ومعصية يكونون بها عاصين‏.‏

وأنكر أكثر أهل الإثبات أن يكون البارئ موصوفاً بالقدرة على أن يضطر عباده إلى إيمان يكونون به مؤمنين وكفر يكونون به كافرين وعدل يكونون به عادلين وجور يكونون به جائرين‏.‏

وقال أبو الهذيل أن البارئ يضطر عباده في الآخرة إلى صدق يكونون به صادقين وكلام يكونون به متكلمين فيلزمه أن يجوز القدرة أن يضطرهم إلى كفر يكونون به كافرين وجور يكونون به جائرين وإلا كان مناقضاً‏.‏

فأما أنا فأقول أن كل ما وصف بالقدرة على أن يخلقه كسباً لعباده فهو قادر أن يضطرهم إليه وجائز أن يضطرهم الله سبحانه إلى الجور‏.‏

والمعتزلة يصفون البارئ سبحانه بالقدرة على أن يلجئ العباد إلى فعل ما أراده منهم‏.‏

وأنكر محمد بن عيسى ذلك وقال‏:‏ لو ألجأهم لم يكونوا مؤمنين وكذلك لو ألجأهم إلى العدل لم يكونوا عادلين وكذلك لو ألجأهم إلى الكفر لم يكونوا كافرين لأنهم أمروا أن يأتوا بالإيمان طوعاً وأن يتركوا الكفر طوعاً فإذا أتوا به كرهاً وتركوا الكفر كرهاً لم يكونوا مؤمنين‏.‏

وكان يقول‏:‏ إذا فعل الله سبحانه علماً كان غيره به عالماً وكذلك كل علم يفعله فغيره به عالم وكذلك القول في كل شيء يفعله فكان غيره موصوفاً به وكذلك إذا فعل شهوة فغيره بها مشته وكل شهوة يفعلها فغيره بها مشته وإذا فعل عدلاً فهو به عادل وكل عدل يفعله فهو به عادل ولا يوصف البارئ بأنه قادر أن يخلق جوراً لغيره وعن غيره أنالبارئ قادر على جور غيره وإيمان غيره وكفر غيره فقوله أن الله سبحانه قادر كلام صحيح وقوله‏:‏ على جور غيره وإيمان غيره وقول غيره خطأ وكذلك لا يجوز أن يقال أن البارئ قادر على خلق كسب غيره ولا يقال أنه قادر أن يخلق كسب غيره والقول في هذه المسألة‏:‏ قادر صواب والقول أنه يخلق كسب غيره و‏:‏ على كسب غيره خطأ‏.‏

وكان يقول أن البارئ قادر على الجور ولا أقول‏:‏ قادر أن يجور ولم يزل قادراً على الفعل ولا أقول‏:‏ لم يزل قادراً على أن يفعل لأن القول‏:‏ قادر أن يفعل إخبار أنه قادر وأنه يفعل كالقول عالم أنه يفعل وزعم أن العدل ما فعله الله سبحانه والجور هو ما لم يفعله وأنه لا يوصف البارئ سبحانه بأنه قادر على عدل لم يفعله واعتل بأنه لو جاز أن يفعل البارئ ما هو عدل لجاز أن يفعل ما هو جور وكان يعارض من قال أن القادر على الفعل قادر أن يفعل‏.‏

وكان معمر يقول أن القادر على الحركة قادر أن يتحرك وكان يقول‏:‏ لما قلتم أنه يقدر على الحبل من لا يقال أنه قادر أن يحبل كذلك قادر على الجور من لا يقال أنه قادر أن يجور وكان يعارض أبا الهذيل فيقول له‏:‏ إذا قدر القديم على الصدق فيجب أن يكون قادراً على أن يصدق وهذا يوجب أن يكون قادراً على أن يصدق أهل الجنة‏.‏

وقال كل من ثبت البارئ قادراً على الظلم والجور من المعتزلة أن البارئ قادر أن يظلم ويجور‏.‏

وقال أهل الإثبات أن البارئ قادر على ظلم غيره وجوره وإيمانه وكسبه ولا يوصف بالقدرة على أن يظلم ويجور ولا بالقدرة على أن يكتسب ولم يصفوا ربهم بالقدرة على ظلم لا يكتسبه العباد إلا طوائف منهم فإنهم قالوا أن الله قادر أن يضطر العباد إلى ظلم وجور ولا جور في العالم ولا ظلم فيه إلا والله سبحانه فاعل لذلك‏.‏

وقال النظام وأصحابه وعلي الأسواري والجاحظ وغيرهم‏:‏ لا يوصف الله سبحانه بالقدرة على الظلم والكذب وعلى ترك الأصلح من الأفعال إلى ما ليس بأصلح وقد يقدر على ترك ذلك إلى أمثال له لا نهاية لها مما يقوم مقامه وأحالوا أن يوصف البارئ بالقدرة على عذاب المؤمنين والأطفال وإلقائهم في جهنم‏.‏

وقال أبو الهذيل أن الله سبحانه يقدر على الظلم والجور والكذب وعلى أن يجور ويظلم وقال أبو موسى وكثير من المعتزلة أن الله سبحانه يقدر على الظلم والكذب ولا يفعلهما فإذا قيل‏:‏ فلو فعلهما قالوا‏:‏ لا يفعلهما أصلاً وهذا الكلام قبيح لا يحسن إطلاقه في رجل من صلحاء المسلمين فكذلك لا يطلق في الله عز وجل وليس بجائز أن يقول قائل‏:‏ لو زنى أبو بكر وكفر علي كيف يكون القول فيهما وقد علمنا أن الله سبحانه لا يظلم بالدلائل فلذلك نستقبح القول‏:‏ لو فعل الظلم وكان أبو موسى إذا جدد القول عليه قال‏:‏ لو ظلم مع وجود الدلائل على أنه لا يظلم لكانت تدل دلائل على أنه يظلم وكان يكون رباً إلهاً قادراً ظالماً قالوا‏:‏ فأما الجهل فالقول فيه على وجهين‏:‏ إن أراد السائل بالجهل الأفعال التي تسمى جهلاً فالقول فيه كالقول في الظلم والكذب وإن أراد جهل الذات بالأشياء على معنى أنها تخفى عليه فنحن لم نقل أنه قادر على أضداده‏.‏

وكان بشر بن المعتمر إذا سئل فقيل له‏:‏ هل يقدر الله سبحانه أن يعذب الطفل قال‏:‏ نعم ولو عذبه لكان كافراً بالغاً مستحقاً للعذاب‏.‏

وكان أبو الهذيل إذا قيل له‏:‏ فلو فعل الله الظلم قال‏:‏ محال أن يفعله‏.‏

وكان محمد بن شبيب يقول‏:‏ يقدر الله أن يظلم ويجور ويكذب ولكن الظلم والكذب لا يكونان إلا ممن به آفة فعلمت أنه لا يكون من الله عز وجل واعتل بأن الله سبحانه لو خبرنا أنه لا يدخل هذه الدار إلا حمار وكان الإنسان قادراً على دخولها لم تكن قدرته على ذلك قدرة على أن يكون حماراً فكذلك الجور لا يكون إلا من منقوص وليس قدرة البارئ على الجور قدرة على أن يكون منقوصاً‏.‏

وقال بعض المتكلمين‏:‏ يقدر الله أن يفعل الظلم وخلافه والصدق وخلافه قال‏:‏ فإن قال قائل‏:‏ أفمعكم أمان من أن يفعله قلنا‏:‏ نعم هو ما أظهر من حكمته وأدلته على نفي الظلم والجور والكذب فإن قيل‏:‏ أفيقدر مع الدليل أن يفعل الظلم والكذب قال‏:‏ نعم يقدر مع الدليل أن يفعل مفرداً من الدليل لا بأن نتوهم الدليل دليلاً والظلم واقعاً لأن في توهمنا الدليل دليلاً علماً بأن الظلم لا يقع وإذا قلت يفعل الظلم توهمت الظلم واقعاً وعلمته كائناً مع علمك أنه غير كائن ومحال أن يجتمع العلم والتوهم بوقوعه والعلم والتوهم بأنه غير واقع فلم يجز اجتماع هذين التوهمين وهذين العلمين في قلب واحد قال‏:‏ ونظير ذلك أن قائلاً لو قال‏:‏ يقدر من أخبر الله أنه لا يؤمن على الإيمان قيل له‏:‏ يقدر مع وجود الخبر أن يفعل الإيمان ولا بأن نتوهم وقوع الإيمان ووجود الخبر ولكن على أن نتوهم وقوع الإيمان مفرداً من وجود الخبر وإلى هذا القول كان يذهب جعفر بن حرب‏.‏

وذهب إلى هذا القول البلخي وزعم أن الظلم لو وقع لكانت العقول بحالها ولكن الأشياء التي يستدل بها العقول كانت تكون غير هذه الأشياء الدالة يومنا هذا وكانت تكون هي هي ولكن على خلاف هيئاتها ونظمها واتساقها التي هي عليه اليوم‏.‏

وكان الإسكافي يقول‏:‏ يقدر الله سبحانه على الظلم ولا يقع لأن الأجسام تدل بما فيها من العقول والنعم التي أنعم بها على خلقه أن الله لا يظلم والعقول تدل بأنفسها على أن الله سبحانه ليس بظالم وأنه ليس يجوز أن يجامع الظلم ما دل لنفسه على أن الظلم لا يقع منه فإذا قيل له‏:‏ فلو وقع الظلم منه كيف كانت تكون القصة قال‏:‏ يقع والأجسام معراة من العقول التي دلت بأنفسها وبعينها على أنه لا يظلم‏.‏

وكان الفوطي وعباد إذا قيل لهما‏:‏ فلو فعل الظلم كيف كانت تكون القصة أحالا هذا القول وقالا‏:‏ إن أراد القائل بقوله لو الشك فليس عندنا شك في أنه لا يظلم وإن أراد القائل بقوله لو النفي فقد قال أن الله لا يظلم ولا يجور‏.‏

القول في أن الله قادر على ما علم أنه لا يكون‏:‏ قال أكثر المنتحلين للتوحيد أن الله قادر على ما علم أنه لا يكون وأخبر أنه لا يكون فإذا قيل لهم‏:‏ فلو فعل ذلك اختلفوا في الجواب فقال أكثرهم‏:‏ لو فعل ذلك لكان عالماً أنه يفعله فلم يكن الخبر بأنه لا يفعله سابقاً ولكن الخبر بأنه يفعله سابقاً‏.‏

وكان علي الأسواري يحيل أن يقرن القول أن الله يقدر على الشيء أن يفعله بالقول أنه عالم أنه لا يكون وأنه قد أخبر أنه لا يكون وإذا أفرد أحد القولين من الآخر كان الكلام صحيحاً وقيل أن الله سبحانه قادر على ذلك الشيء أن يفعله‏.‏

وقال سليمان بن جرير‏:‏ إن قال قائل‏:‏ تقولون أن الله قادر على فعل ما علم أنه لا يفعله قلنا‏:‏ هذا كلام له وجهان‏:‏ إن كنتم تعنون ما جاء به الخبر أنه لا يفعله فلا يجوز القول يقدر عليه ولا لا يقدر عليه لأن القول بذلك محال وأما ما لم يجئ به خبر فإن كان مثل ما في العقول دفعه عن الله أن يوصف به وأن من وصفه به محيل فالجواب في ذلك مثل الجواب فيما جاء به الخبر من إحالة القولين وأما ما لم يجئ به خبر وليس في العقول ما يدفعه فإن القول أنه يقدر على ذلك جائز وإنما جاز ذلك لجهلنا بالمغيب منه وأنه ليس في عقولنا ما يدفعه وأنا قد رأينا مثله مخلوقاً فإن قالوا‏:‏ فيعلم البارئ أنه قادر على فعل ما علم أنه لا يفعله قيل‏:‏ لهذا وجهان إن كنتم تعنون أنه يعلم أنه لا يفعله وأنه يقدر على فعل ما علم أنه لا يفعله والعلم موجود بأنه لا يفعله فالسؤال في هذا محال وإن كنتم تعنون أنه قادر على فعل ما علم أنه لا يفعله على معنى أنه لو فعله كان هو المعلوم وأن القدرة عليه جائزة لو كان المعلوم أنه كائن فقد نقول أنه قادر على فعل ما علم أنه لا يفعله على هذا المعنى‏.‏

وقال عباد‏:‏ ما علم الله أنه لا يكون لا أقول أنه قادر على أن يكون ولكن أقول‏:‏ قادر عليه كما أقول‏:‏ الله عالم به ولا أقول‏:‏ عالم بأن يكون لأن إخباري بأن الله قادر على أن يكون ما علم أنه لا يكون إخبار أنه يقدر وأنه يكون وكذلك الجواب فيما أخبر الله أنه لا يكون عنده وكان إذا قيل له‏:‏ فلو فعل ما علم أنه لا يفعله أحال قول القائل‏.‏

وكان محمد بن عبد الوهاب الجبائي إذا قيل له‏:‏ فلو فعل القديم ما علم أنه لا يكون وأخبر أنه لا يكون كيف كان يكون العلم والخبر أحال ذلك وكان يقول مع هذا‏:‏ لو آمن من علم الله أنه لا يؤمن لأدخله الله الجنة وكان يزعم أنه إذا وصل مقدور بمقدور صح الكلام كقوله‏:‏ لو آمن الإنسان أدخله الله الجنة وكان الإيمان خيراً له وكقول الله عز وجل‏:‏ ‏"‏ ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه ‏"‏ فالرد مقدور فقال‏:‏ لو كان الرد المقدور لكان منهم عود مقدور ويزعم أنه إذا وصل محال بمحال صح الكلام كقول القائل‏:‏ لو كان الجسم متحركاً ساكناً في حال لكان حياً ميتاً في حال وما أشبه ذلك ويزعم أنه إذا وصل مقدور بما هو مستحيل استحال الكلام وهذا كقول القائل‏:‏ لو آمن من علم الله وأخبر أنه لا يؤمن كيف كان يكون العلم والخبر وذلك أنه إن قال‏:‏ كان يكون الخبر عن أنه يؤمن سابقاً بأن لا يكون كان الخبر الذي كان بأنه لا يؤمن وبأن لا يكون لم يزل عالماً استحال الكلام لأنه يستحيل أن لا يكون ما قد كان بأن لا يكون كان ويستحيل أن لا يكون البارئ عالماً بما لم يزل عالماً به بأن لا يكون لم يزل عالماً وإن قال‏:‏ كان يكون الخبر عن أنه لا يكون والعلم بأنه لا يكون ثابتاً صحيحاً وإن كان الشيء الذي علم وأخبر أنه لا يكون استحال الكلام فلما كان على أي وجه أجيب عن ذلك استحال الكلام لم يكن الوجه في الجواب إلا نفس إحالة سؤال السائل‏.‏